المرأة العراقية بعد 2003 هامش كبير من الحريات وقلق يحيط بكثيرات

شكلت الأحداث التي طرأت على المجتمع العراقي بعد سقوط النظام السابق في عام 2003 كثيراً من المتغيرات، لا سيما في ما يخص المرأة العراقية التي أخذت دوراً كبيراً في مجالات عدة، بخاصة الدور السياسي الذي أسهمت فيه فضلاً عن استلامها مناصب متقدمة في الوزارات والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، لكن هذا الدور لا يخفي حجم المعاناة التي عاشتها المرأة العراقية برفقة الرجل. فبعد عام 2003 قُدمت كثير من التضحيات لا سيما الحروب على التنظيمات الإرهابية التي راح ضحيتها آلاف العراقيين، فضلاً عن إسهاماتها على رغم من المعاناة في كثير من قطاعات العمل، وتحمل بعض النساء العراقيات تكلفة معيشة عائلات بأكملها وسط الغلاء المعيشي الذي يشهده العراق يوماً بعد يوم، وأشارت مواطنات عراقيات في حديثهن لـ”اندبندنت عربية”، إلى أن تبعات الحروب التي تحملت المرأة العراقية ثقلها المميت لا يمكن تجاوزها بسهولة، وأكدن أن هناك حاجة كبيرة لدعم النساء وتمكينهن لتجاوز المحن وتأدية المسؤوليات إلى حين استقرار الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العراق.
وتذهب الناشطة المهتمة بحقوق المرأة العراقية التي تستعد لتشكيل جمعية تطالب بحقوقها ورفع المظلومية عنها، علياء أحمد، إلى القول إن “المرأة العراقية أخذت مساحة شاسعة في مجالات عدة، لا سيما المجال السياسي، فأصبح لها تمثيل في مجلس النواب، فضلاً عن تسلمها مناصب عليا في الوزارات والحكومات المتعاقبة في النظام الحالي، هذا الدور لم يكن موجوداً بالشكل الذي هو عليه الآن، إلا في قطاعات محددة كالتعليم والصحة”. وتضيف، أن “المرأة العراقية أبدعت وتحملت كثيراً من الصعاب والمشاكل التي تواجهها بكل صبر وإصرار على تجاوزها وحصلت بفضل الانفتاح والتغيير السياسي الذي حصل بعد عام 2003 والتطور التكنولوجي على هامش أكبر من الحرية الذي كان غير موجود خلال العقود الماضية، حيث يمكن أن يصل صوتها عبر المنظمات التي تعنى بها”، مضيفة “نطمح إلى رفع المظلومية عن جميع العراقيات”.

مسيرة مشرقة ومميزة

في سياق متصل، تقول الأكاديمية العراقية فينوس سليمان عاكف، إن “حضور المرأة في تاريخ العراق منذ بدايته حيث بداية الحضارة الإنسانية كان مميزاً وقوياً، فبين إنهيدوانا من بلاد سومر في الألف الثالث قبل الميلاد ونازك الملائكة في القرنين الـ20 والـ21، امتدت سيرة المرأة العراقية مشرقة مميزة مؤثرة إيجابياً في كل نواحي الحياة، في السياسة والصحافة والعلوم والأدب والشعر والهندسة والعمارة وغيرها من مجالات المعرفة، على رغم من كل التحديات والصعوبات على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية”. وتضيف عاكف، أن المرأة أسهمت في المجال الصحافي بنشاط وظهرت أول مجلة نسائية “ليلى” في عام 1923، فالعراقية كانت طبيبة وشاعرة وصحافية ومعلمة في الثلاثينيات من القرن الـ20، وفي نهاية الخمسينيات كان قانون الأحوال الشخصية في جمهورية العراق، تحديداً عام 1959، قد اعتبر القانون الأكثر تقدماً في منطقة الشرق الأوسط من حيث الحقوق التي منحها للمرأة، فكانت زكية إسماعيل حقي أول قاضية في العراق، وكانت نزيهة الدليمي أول وزيرة في العراق والعالم العربي، وبرزت زها حديد لتكمل مسيرة الإبداع والتميز في مجال العمارة وعلى مستوى العالم، واستمر تميز المرأة العراقية وهي على طول هذا التاريخ الطويل على قدر الحرية والثقة وأهل لها وما زالت تثبت جدارتها على جميع الأصعدة على رغم من كل الصعاب التي واجهتها خلال الـ40 سنة الماضية من حروب ونزاعات وعدم استقرار.

تبعات الحروب

لكن تبعات الحروب التي تحملت المرأة العراقية ثقلها المميت لا يمكن تجاوزها بسهولة، بحسب الأكاديمية عاكف التي أشارت إلى الحاجة الكبيرة “لدعم النساء وتمكينهن لتجاوز المحن والقيام بالمسؤوليات إلى حين استقرار الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العراق، واليوم ومع الانفتاح الثقافي في العالم من خلال تطور تكنولوجيا التواصل، أصبح هناك تحد كبير لمدى إمكانية الحفاظ على هويتنا وتقاليدنا أمام سطحية فهم الحريات الشخصية، ولكن هذا التحدي يواجه المرأة والرجل والعائلة بكاملها في كل أنحاء العالم، قد يفقد البعض جذوره ولكن من كانت له جذور تمتد عميقاً إلى حضارات تمثل بداية الإنسانية والتاريخ كما في العراق، لن تهزه الرياح على قوتها، القلق مشروع ولكن الثقة كبيرة والهمم عالية والتاريخ يشهد”.

مشاركتها الرجل همومه

إلى ذلك، اعتبرت المواطنة العراقية ميسون الربيعي، أنه “قبل عام 2003 وأثناء الحكم الشمولي شاركت المرأة العراقية الرجل همومه في تأدية الخدمة الإلزامية أثناء حرب الثماني سنوات، ثم دخلت معه دوامة آلام الحصار الاقتصادي، هذان الحدثان التاريخيان أبعدا الأضواء عن التفكير في حقوق المرأة على مستوى توفير فرص العمل والاستقلال الاقتصادي وفي المساهمة في تحسين دخل الأسرة العراقية”.

وعبرت الربيعي عن اعتقادها بأنه “تم إغفال حقوق النصف الثاني من المجتمع عن قصد أو من دون قصد إما بحجة أحكام الطوارئ لحماية النظام أو التهديدات الخارجية أو عسكرة مجتمع الذكور أو الحملة الإيمانية المستحدثة أو مزاجية الديكتاتور في تشريع القوانين الاستثنائية”.

وأما بالنسبة لهامش الحرية لدى المرأة العراقية بعد عام 2003، فذكرت المتحدثة ذاتها أن “التحول كان صادماً لكافة شرائح المجتمع العراقي ولجميع الفئات العمرية من دون استثناء، لقد أسهمت الحرب الطائفية في ترسيخ فكرة الهجرة لدى الجنسين، بحيث أصبح مشروع الزواج فكرة مؤجلة حتى إشعار آخر”.

وزادت أن “انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والانفتاح على الأفكار الديمقراطية الغربية، أسهم في إعادة تعريف روابط الأسرة العراقية، ويظهر من سجل الحوادث والكتابات الصحافية والإحصاءات الميدانية أن التسلسل الهرمي في توجيه الأسرة المتمثل بالوالد أو العم أو الخال أو الأخ الأكبر سناً قد ذهب إلى غير رجعة، حيث ازدادت عزلة الفرد ذكراً كان أم أنثى في توجهاته وتفكيره داخل الأسرة العراقية”.
وأشارت الربيعي إلى أنه “بالنسبة للمرأة العراقية فإنها باتت على اطلاع واسع على حياة الإنسان في مجتمعات الغرب الديمقراطي، فأخذت تمتهن وظائف جديدة في ضيافة الفنادق والإعلام الميداني والتمريض المتخصص وغير المتخصص وإدارة المطاعم وغيرها، وفي سبيل الحصول على استقلالها الاقتصادي، سعت المرأة العراقية للتقديم على الوظائف الحكومية لضمان المستقبل، ولكن ظروف الفساد الإداري والمحسوبية دفعتها تجاه مشاريع الاستثمار القطاع الخاص في السياحة والفندقة والرعاية الصحية والخدمات المصرفية وغيرها”. وتابعت، أن “انتشار القيم الديمقراطية في المجتمع العراقي لم يغير هامش حرية المرأة العراقية، لأن ترسخ قيم البداوة والأعراف العشائرية والتعصب الديني يغلق الباب أمام محاولات تغيير النظرة إلى المرأة غير المتزوجة أو المطلقة أو الأرملة، لقد بقي الارتباط العضوي بين المرأة وأسرتها قوياً، لأن القوانين المدنية لا توفر أي حماية للمرأة في كافة مراحل حياتها”.

إلى ذلك، وصفت المغتربة العراقية نسرين الهنداوي، الحرية بأنها “أحد المبادئ الأساسية والسامية للمجتمعات الشرقية والغربية على حد سواء، لكن في اعتقادي أن اختلاف الموروث الثقافي والانتماء العقائدي للشعوب ينعكس على آليه تطبيق هذا المبدأ، إذ إن المرأة هنا (تحديداً في كندا) تتمتع بجانب كبير من الحرية، وفي تطبيق المعيار الأنسب لها وفقاً لأسلوب الحياة الذي تتبناه، والسبب في ذلك يعود للاختلافات الثقافية المؤسسة للمجتمع”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى